الخميس، 11 يونيو 2020

رهانات الدرس الفلسفي.

إن التأكيد على أهمية ما يتعلمه التلميذ في الدرس الفلسفي من تساؤل و فهم و حوار و حس نقدي ، و تحليل ، مع ما يقدمه هذا القول من تماسك منطقي وعقلاني ، و دعامة حجاجية .إن هذا الدرس حينما يقدم الفرصة الحقيقية للممارسة فعل التفكير و التفكيك للقول الفلسفي ، فإنه في نفس الوقت يقدم للتلميذ من الأسباب ما يجعله قادرا على على الممارسة ذاتها على جل الخطابات التي تحاصره في حياته اليومية العادية.

 في حين أن الدرس الفلسفي و الوعي بأهميته و النظر إليه كغاية وليس كوسيلة ، يفترض أن يؤدي ، -من جملة أهدافه- إلى إكساب التلميذ فعل التفلسف ، الذي هو من جهة تعليم الإستقبال و الفحص ، و وضع الشيء موضع تساؤل و نقد المعطيات التجربة .إن ترسيخ قوة التساؤل الفلسفي عند التلميذ/المواطن ، يدفعه نحو مساءلة كل خطاب والبحث في دوافعه و رهاناته .كما أن ترسيخ فعل التأمل و تفكيك النصوص وقوة الحس النقدي ، كل ذلك يجعله قادرا على تفكيك الخطابات من جهة ألفاظها و حدودها ، والوقوف عند ثنائياتها و طبيعة حجاجها ، إن كل خطاب يجب أن يخضع للمساءلة و النقد. ولعل أول سؤال يجب طرحه بصدد كل خطاب – وهذا مايعلمنا إياه الدرس الفلسفي-هو هل هو خطاب يخاطب فينا العقل أم الوجدان والخيال أم الذاكرة؟ هل هو خطاب يدعو إلى التفكير و يشجع فينا الحوار ، أم أنه خطاب يدعو إلى فعل- قيمة ؟ هل هو خطاب يتوجه للأخر ليفسح المكان للاحتمالات و الممكن، لممارسة فعل الحرية.

(...)إن الدرس الفلسفي بفعل ما يقدمه من كفاءة تحويلية ، سواء على المستوى الفكري أو المنهجي ، إنما يعمل على جعل التلميذ/المواطن الوعي الذاتي الذي يؤهله للتعامل الإيجابي مع القيم الإنسانية – الكونية ، وإعادة تشكيل وجوده وفق هذه القيم .و هو ما يصطلح على تسميته الآن في مجال البيداغوجية بمفهوم savoir-être ، و الذي يقصد به جعل التلميذ راشدا بالمعنى التام للكلمة ، إنسانا مسؤولا ، ومستقلا و قادرا في جميع المجالات التي تهمه ، على إصدار الحكم بشكل حر و إرادي .أليست هذه القيم المنبثقة عن قيمة الحرية ، من القيم التي ظل الفكر الفلسفي حريصا على ترسيخها.