الخميس، 11 يونيو 2020

الدرس الفلسفي بالتعليم الثانوي.

 يشكل التفكير في درس الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب محورا أساسيا ، من حيث أنها تجربة إحدى تجليات الممارسة الفصلية من جهة ، ثم إنها بلغت ما يقارب نصف قرن ، و من جهة أخرى غدت تجربة و موضوعا يقتضي التأمل و السؤال و التقويم ، من أجل تشخيص مسارها و الوقوف على تحولاتها و قضاياها . ان المجتمعات المنسجمة مع تاريخها و التي حافظت تقليديا على " هويته " لم تعرف حياة فلسفية ، فمواطنوها يعيشون دورة معتقداتهم . و تمثلاتهم و عاداتهم .

لم يكن المجتمع المغربي في بداية الستينات مجتمعا حداثيا ، فكل الحياة الاجتماعية موجهة نحو الداخل : استعادة الماضي و محاولات التخلص من الإرث الكولونيالي و مواجهته مقابل حرص" النخبة الجديدة " على بناء نظام تربوي و أخلاقي متجانس و موحد لا يعترف بالاختلاف الفكري .

سيغدو التقليد المغربي " تسنينا " و سيظهر كقوة تشد بنيات المجتمع و تعيد إنتاج بنياته الفكرية و سلوكا . كان السياسي يستمد مشروعيته من المؤسسات الدينية التقليدية و سلطة السياسي التي لا تتم إلا لما يدعمها الديني .

سيتأسس نظام تربوي ذو طبيعة أخلاقية امتثالية اعتمد فيها التقييم الثنائي :الخير و الشر ، الخطأ و الصواب ، الحقيقة و الرأي ، السعادة و الشقاء........

فهل كانت الفلسفة حاجة مجتمعية؟  يتم تدريسها في الفصول  المدرسي ة بالمغرب.

إن كل العلوم العلمية بما في ذلك من حساب و هندسة و علوم و منطق و فلسفة ، لا تتطور في المغرب إلا بمبادرة من الدولة و دعمها .لان هذه العلوم لا تستجيب دائما للضرورة الاجتماعية فوجود الفلسفة في المؤسسات التعلمية هو تقليد لتعليم فرنسي ، أو محافظ على بعض اثاره أكثر منه حاجة مجتمعية .فهي تدين بالشيء الكثير للدولة التي لم تكن تدرك انذاك القيم المعرفية و التربوية لهذه المادة ، بل كانت تصنفها في " التعليم الدخيل " الذي يهدد دائما " جنة المحافظة " .

افتقار القرار السياسي لمشروع تربوي واضح من تعليم الفلسفة سيولد مفارقة كبيرة نعيش اليوم امتدادها :الرغبة في إصلاح منظومة التعليم و تطويره و الخوف في الان نفسه من ممارسته و نتائجه على مستوى سلوك التعليم وقيمه.

أن تعليم الفلسفة في المغرب لم يجد سنده في الممارسات السياسية و الثقافية بل كان " معزولا" عن أفق الفلسفة كتفكير وربما لهذا السبب سيخضع لحجز تدريجي لاستعمال الحاجة ، و لضغط التقليد و لتدخلات سياسية تعسفية ستوسع من هشاشته ومن أضعاف صورته في بلد يتجه تقليديا نحو الحداثة .

   أن تعليم الفلسفة بفرنسا على سبيل المقارنة ، يجد عمقه في ماضي سياسي و ثقافي غني .هناك من جهة تقليد تعليمي وسطوي و امتداداته اليداغوجية ( الحوار التعليق على النصوص ، منطق أرسطو أخلاق و قيم الفلسفة ، .....وفرة المدرسة اليسوعية التي احتضنت كبار الفلاسفة ثم أخيرا مدرسة "الجمهورية " و أفكار الأنوار و قيم الثورة التي ماتزال ترعى هذا التعليم و مجتمع مدني يعيش الفلسفة ، تحيا فيه الفلسفة و يدرك رهاناتها .

    لا نجد لتعليمنا الفلسفي مكانة متميزة داخل التطور السياسي للدولة ، و سيكون ذلك في برامج التعليم الثانوي العمومي و الجامعي أية مدرسة نريد؟  هل مدرسة التثبيت و المحافظة أم مدرسة الانفتاح و التحرر؟

كان تعليم الفلسفة ولازال ضحية "الجمع" بين صورتين للمدرسة :مدرسة الحرية و مدرسة المراقبة.

·         عندما نطرح إشكالية الدرس الفلسفي بالمغرب " غالبا ما نتساءل هل هناك درس فلسفي يحمل كل صفاته الخاصة به؟ خاصة إذا علمنا أن الدرس الفلسفي في كل بلدان العالم يجري و يتبلور و يتطور وفق سياق ثقافي و خطاب فلسفي مواز له . إذا نظرنا إلى الخطاب الفلسفي في مجال الثقافة المغربية ، لا يمكن أن نربط نوعا من التأثير و الارتباط بين طبيعة الدرس الفلسفي بالمغرب ووضعية الخطاب الفلسفي المغربي بشكل عام . هذا الخطاب الذي يمكن أن نقول عنه بأنه لا يزال يأخذ مجالات و سياقات ثقافية ، فرنسية و أنجلوساكسونية أو غيرهما .

أكثر من انه خطاب مبدع . هذا الخطاب لا يزال يعيش غربة عن الواقع و غربة عن الدرس الفلسفي. خطابا لا يزال يقوم على في غالبه على اجترار النصوص سواء كانت تراثية أو كانت نصوص غربية في الفلسفة الغربية. أليس في ميدان البيداغوجيا و الديداكتيك في التدريس نسقط في نفس الغربة أحيانا خاصة و أن تصوراتنا و مرجعيتنا لما يجب أن يكون عليه الدرس الفلسفي لازال هو مأخوذا من مصادر خارجية "جلها فرنسية" دون الاعتماد في هذا الباب على تراكمات التجربة المغربية في ميدان الديداكتيك ، إذا في هذا السياق يبقى هناك سؤال مشروع : هل هناك درس فلسفي مغربي بدا يتأصل و يؤسس لنفسه سماته الخاصة ؟ انطلاقا من تدخل الأستاذ لزرق حول امكانية السؤال ، هل يمكن قيام درس فلسفي مغربي؟ بمعنى أوضح هل للفلسفة كممارسة عقلية تعتمد بالأساس على النقد و المساءلة ليست لها خصوصيات ، و إ لا كيف يمكن المعرفة العلمية في المغرب ، هذا شيء غير ممكن ، بمعنى أ ن الفلسفة كممارسة عقلية ، لديها هذه الخاصية الإنسانية الكونية منذ ظهورها ، و لا يمكن الحديث عن ممارسة عقلية مغربية ( و إن كنا نتحدث عن الفلسفة الألمانية و الفرنسية ....) و لكن في التدريس لا يمكن القول الدرس الفلسفي المغربي أو الفرنسي....

من خلال هذين التدخلين نلاحظ بأن الحديث عن الدرس الفلسفي في التعليم المغربي يتجاذبه رأيان أو تصوران . ومن جانبنا نؤكد على أن الحديث عن الدرس الفلسفي المغربي في هذه المرحلة سابق لأوانه ، لأن عمل التعليم الفلسفي المغربي مازال في المهد . و بالتالي لم نصل بعد إلى مرحلة تصبح فيها الفلسفة تقليد في مدراسنا و جامعتنا . و حتى في ندواتنا الثقافية و لقاءاتنا .

     ان التقليد الفلسفي المغربي يخطو أول خطواته . و علينا انتظار مرحلة يتقعد فيها هذا التقليد .و تصبح الممارسة الفلسفية جزء من ثقافتنا.

     و عندما نتحدث عن التقعيد الفلسفي هنا ، اعني أن تكون لنا فلسفة سياسية و فلسفة اقتصادية و فلسفة اجتماعية ...بمعنى الفلسفة ليس هي اطروحة و مواقف . وإنما هي سلوك يتجسد في الفرد لينعكس على الجماعة .

     و هذا الأمر هو الذي ينقص التعليم المغربي . أما أن نثير الأسئلة من قبيل هل هناك درس فلسفي مغربي فهذا أمر لم يحن وقته بعد . ونحن مع الطرح الثاني الذي يرى بأن الفلسفة هي ممارسة عقلية تهم السلوك الإنساني .